في أطراف النظام الشمسي، حيث يقل ضوء الشمس وتزداد البرودة، يقع كوكب نبتون، آخر كواكب المجموعة الشمسية. رغم بعده الشديد، إلا أن نبتون ليس كوكبًا ساكنًا أو ميتًا، بل عالم نابض بالعواصف، والرياح، والغموض الذي لم يُكشف بعد بالكامل.
الكوكب الذي لا يُرى بالعين المجرّدة
نبتون هو أول كوكب يتم اكتشافه بالحسابات الرياضية قبل أن يُرى بالتلسكوب. لاحظ العلماء اضطرابات في مدار أورانوس، فاستنتجوا وجود كوكب آخر يؤثر عليه جاذبيًا. وفعلاً، تم رصد نبتون عام 1846 في الموقع الذي تنبأ به الفلكي “يوهان غالي”، بناءً على حسابات العالم “أوربان لوفيرييه”.
عملاق جليدي
مثل أورانوس، يُصنف نبتون كـ”عملاق جليدي”. يتكوّن أساسًا من الهيدروجين، الهيليوم، وكميات كبيرة من الجليد المائي والأمونيا والميثان. هذا المزيج يعطيه مظهرًا أزرق غامقًا وجذابًا، أكثر إشراقًا من لون أورانوس.
العواصف والرياح
رغم برودته وبعده الشديد عن الشمس، يُعتبر نبتون من أكثر الكواكب نشاطًا مناخيًا. تم رصد عاصفة ضخمة على سطحه تُعرف باسم “البقعة المظلمة العظمى”، تشبه إلى حد ما “البقعة الحمراء” على المشتري، لكنها اختفت بعد سنوات، ثم ظهرت أخرى في مكان مختلف.
وتُعدّ الرياح على نبتون الأسرع في المجموعة الشمسية، إذ تصل إلى أكثر من 2000 كيلومتر في الساعة، وهي سرعة تفوق أي رياح مسجلة على الأرض.
التركيب الداخلي
رغم أن نبتون لا يملك سطحًا صلبًا، إلا أن باطنه يتكوّن من نواة صخرية محاطة بطبقة كثيفة من السوائل الجليدية. هذه البنية الفريدة تجعله مصدرًا للدراسة حول الكواكب العملاقة خارج نظامنا الشمسي، إذ يشبه كثيرًا ما يُعرف بـ”الكواكب النبتونية” المكتشفة حديثًا حول نجوم أخرى.
الأقمار والحلقات
يدور حول نبتون 14 قمرًا معروفًا، أبرزها قمر “تريتون”، الذي يدور بعكس اتجاه دوران الكوكب، مما يشير إلى أنه ربما كان جرمًا مستقلًا تم التقاطه بجاذبية نبتون.
كما يمتلك نبتون نظامًا من الحلقات الداكنة والخفيفة، اكتُشف في أواخر القرن العشرين، لكنها أقل وضوحًا من حلقات زحل.
مهمة فوياجر 2
المركبة الفضائية “فوياجر 2” هي الوحيدة التي زارت نبتون عن قرب، وذلك عام 1989. مرّت بسرعة بالقرب منه وقدّمت صورًا ومعلومات ثمينة، منها أول صور للبقعة المظلمة وأقماره. ومنذ ذلك الحين، لم ترسل أي وكالة فضاء مهمة جديدة لاستكشاف نبتون.
ما الذي يجعل نبتون مثيرًا للاهتمام؟
• لأنه الكوكب الأبعد عن الشمس، ويكمل دورته حولها كل 165 سنة أرضية.
• لأنه يثبت أن النشاط الجوي لا يعتمد فقط على قرب الكوكب من الشمس.
• لأن تركيبته الجليدية تُشبه كثيرًا الكواكب التي بدأت تُكتشف خارج نظامنا الشمسي.
خاتمة
نبتون هو الكوكب الذي يختبئ في نهاية الطريق، بعيدًا عن الأنظار، لكنه مليء بالحركة والعنفوان تحت غلافه الأزرق الجميل. وبينما لا يزال بعيدًا عن متناول مركباتنا، فإن أسراره تشدّ أنظار العلماء، وتجعل من استكشافه حلمًا مستقبليًا في رحلة الإنسان لفهم الكون.
Leave a Reply